قائمة المدونات الإلكترونية

الاثنين، 14 يناير 2013

الي حمدين صباحي الناصري نهدي مذابح المعتقلين في عهد عبد الناصر




الي حمدين صباحي الناصري نهدي مذابح المعتقلين في عهد عبد الناصر



من مشاهد مذابح المعتقلين في عهد عبد الناصر



كانت المذبحة كقتل الصهاينة للفلسطينيين، ففي أحد أيام الخميس أصدر مأمور السجن (سيد والي) أوامر بخروج جميع المعتقلين إلى الجبل، وحتى المرضى خرجوا عنوة من المستشفى؛ لكن بعض الضباط من أصحاب الضمير أخبروا مسئولي الإخوان عن مؤامرة للتخلص منهم في الجبل، ونصحونا بعدم الخروج يوم السبت، فكتبنا طلبات لضباط العنابر بعدم رغبتنا في الخروج إلى الجبل؛ خشية على حياتنا وفقًا للائحة السجون، فقاموا بوضع جميع مسئولينا في سجن التأديب؛ حيث الظلام وانعدام التهوية.
وفي صباح السبت ربطوا أعدادًا كبيرة من المساجين "بالجنازير" لنقلهم إلى الجبل، ونجحوا في ذلك في الحجرتين الأولى والثانية، وفي الثالثة فشلوا في إكمال خطتهم؛ حيث تعود أحد إخوتنا على مساعدة السجان في فتح الباب وغلقه، ويومها عندما وجد الضباط اقتربوا من العنبر فتحه وأخرج جميع المعتقلين منها وكان أغلبهم من الإخوان، وبذلك فشلت تلك الخطة؛ حيث أصبحنا جميعًا بالخارج، ولم يتمكنوا من السيطرة علينا واقتيادنا دفعة واحدة، فأعادوا المساجين من الجبل مرة أخرى ظهرًا.
وشرعوا في تنفيذ خطة بديلة؛ عن طريق استخدام كتيبة من الجيش لمحاصرة الأسوار الداخلية للسجن، وأطلقوا الرصاص مباشرة على العنابر   فاستشهد أكثر من عشرين أخًا يومها، ووصل الأمر إلى التصويب على الموجودين في عنبر يسمى (المخزن) من "شُرَّاعة" الحجرة وقتل من فيه، فتم نقل المئات إلى المستشفى، وكلما وجد العساكر أحد جرحى الإخوان ضربوه بـ"الشوم" حتى الموت، وأنهوا المشهد الأخير لذلك اليوم بفرش أرض السجن بجثث القتلى، واضعين قطعًا حديدية وجرادل في أيديهم؛ لتظهر كأنها محاولة عنف ضد السجانين.


** حضرت لجنة خارجية للتحقيق، وعندما وجد ضباط السجن وكلاء النيابة يسألون بشكل هادئ وآدمي عما حدث، تحدثوا معهم؛ فتحولوا فجأة إلى أسلوب السب والضرب والإهانة، وتكييل الاتهامات بالإرهاب وغيرها من التهم الوهمية، وبعد فترة طويلة علمنا أن   
* وكيف تعاملت إدارة السجن مع الناجين من المذبحة؟
** أصيب عدد كبير منَّا بالاكتئاب من هول المشهد، وسقوط جثث الضحايا حولنا وأمام أعيننا، وقامت الإدارة بنقلنا إلى سجن القناطر، وأمضينا فترة طويلة في التعذيب والجلد المستمر، حتى أثناء الذهاب إلى دورة المياه، إلى جانب المنع من الصلاة في المسجد مع المساجين، وخفضوا عدد المعتقلين في العنبر الواحد، وكانوا يزيلون الفرش و"البورش" بالنهار ويعيدوها ليلاً فقط، وبعدما ألهونا بتعذيبنا جسديًّا لمدة طويلة، وظنوا أننا نسينا ما حدث من مذبحة في طره، بدءوا في تخفيف التعذيب قليلاً وفتحوا لنا استخدام الأمانات والتعامل مع الكانتين.
وهكذا استمرت المدة بين أسوار المعتقل، حتى أخرجوا  على دفعات عام 64 بعفو صحي، وخرج الشهيد (سيد قطب) في أوائل عام 65 ليقضي 6 أشهر فقط قبل اعتقاله مرة ثانية.
* كيف كان التعذيب في السجن الحربي؟
** التعذيب في السجن الحربي هو الأشد وليس به رحمة، فكان مقسمًا إلى ثلاث زنازين؛ الأولى مخصصة للتعذيب، والثانية تملأ لأكثر من ثلثيها بالمياه لإجبار المعتقلين على الوقوف باستمرار، والثالثة موضوع بها "عروسة" من الخشب وحبل للجلد.
** وما أبرز قصص التعذيب هناك؟
**أخونا (عبد العدلي علي جبل) قاموا بتعذيبه بالكرابيج أثناء التحقيق معه فتورم جسده كاملاً، وبعدها بأربعة أيام أعادوا الكرَّة مرة أخرى، وجلدوه على نفس الأماكن المتورمة من جسده، وبعدها قام الشاويش عبد المقصود بإلقاء جردل من الماء على جسده فأصبح يشبه الأرنب المسلوخ، وقضى بعدها مدة طويلة جدًّا لا يمكنه النوم على جانبه أو حتى ظهره، فكنا نضع له البطاطين ويستند عليها لينام في وضع الجلوس.
وأخ آخر  والده كان يمتلك مطبعة في منوف، ألقت المباحث القبض على أحد العاملين معه وفي يده ورقة بالأسماء السرية للمحاكمين بأحكام عسكرية، ووجهت له تهمة توزيع منشورات، وعندما وصل إلى السجن الحربي كُسرت رجلاه الاثنتان من شدة التعذيب، وفقد القدرة على المشي وهو في سنٍّ صغيرة، لم يكمل العشرين سنة.
أما اخونا فقتل بـ"الخازوق" حتى الموت، ولم نعلم بوفاته حتى إحضار ابنه- وكان مدرسًا في الفيوم- وأثناء تعذيبه قال سجان لمن يجلد: "حرام عليك مش كفاية موتُّوا أبوه"!.
فكل من استشهد خلال التعذيب في السجن الحربي، تقوم إدارة السجن بالإبلاغ عنه أنه هارب في القسم القريب من منزله، ويقومون هم بدفنه في الصحراء.
اعتقال رضيع
* و
** هذه المرة اعتقلت من منزلي حوالي الساعة الـ12 بعد منتصف الليل في سبتمبر 1965م، واحتجزونا في قسم مصر القديمة، ثم رحلونا إلى سجن القلعة- وهو أحد أكثر السجون خفاءً ومليء بالدهاليز التي لا يعرف عنها الكثيرون شيئًا- بأوامر من عبد الناصر وهو في روسيا؛ حيث أمر باعتقال كل من سبق اعتقاله والمشتبه بهم، فجرت حملة اعتقالات واسعة للإخوان، طالت أكثر من 14 ألفًا، وكان بينهم كبار السن والمرضى، وبعضهم حملوه على نقالة إلى سجن القلعة، وآخر أحضروا زوجته وطفلها الرضيع معها!!.
وطالت مدة الاعتقال إلى سنتين وشهرين، ووجهت خلالها اتهامات لِمَن قرءوا كتاب (معالم على الطريق) لسيد قطب، وكذلك كل من وجدوا الكتاب لديه، ومن المهازل محاكمة (محمد قطب) على كتب كانت تُدرس في الجامعة!!,
المجزر

** نقلونا إلى سجن (قنا) بطريقة غريبة جدًّا، فمع كل سجينين عسكري درجة ثانية، ومع كل اثنين من عساكر الدرجة الثانية عسكري أولى، ومع كل اثنين من عساكر الدرجة الأولى ضابط، وكل ضابط صغير معه رتبة أعلى منه، وأوصلونا إلى السجن المخصص لتجار المخدرات.
وهناك جردونا من ملابسنا وألبسونا ثيابًا قديمة ممزقة، وكان ضابط المباحث يصدر أوامره لمدير أمن قنا حول كيفية معاملتنا، وأذكر أنه كان معنا 3 من الضباط، اثنان مسلمان وآخر مسيحي؛ ولكنه كان أحنهم علينا، ودائمًا ما ردد: "أبي قسيس ويوصيني بكم دائمًا".
وبعد أربعة أشهر انتقلنا مرة أخرى إلى سجن (أبو زعبل)؛ حيث كنا نقسم عدد البلاط علينا؛ لنتمكن من النوم نتيجة لضيق المساحات، وكان التعذيب به أشد من السجن الحربي، فالضباط كانوا يعاملون المعتقلين كالذبائح لدى الجزار، ويجبروننا على خلع ملابسنا كاملة في البرد القارس، بشهري ديسمبر ويناير، والنزول إلى ساحة السجن ليلاً، واحتضان الحديد لفترات طويلة، وكان السجانون يطفئون السجائر في أجسادنا.
وقاموا بنقلنا إلى سجن (مزرعة طره)، ولم يكن به العنابر الجديدة الموجودة نفسها حاليًّا؛ بل مبانٍ قديمة يوضع بها المساجين الذين يعملون بالزراعة.
حتى وقت هزيمة 67، وقبلها العدوان الثلاثي على مصر، عندما حاولت طائرة صهيونية ضرب الإذاعة المجاورة لـ(أبو زعبل)، وحاول الجندي الرد عليها ببندقيته، فألقت الطائرة قنبلة على السجن، فهرب الكثير من السجن، ومن أمسكوه، جاءوا به إلى طره.
* وكيف مرت عليكم مرحلة النكسة وأنتم معتقلون؟
** فور أن سمعنا بالأمر طالبنا بالخروج للمشاركة في الحرب؛ لكن مأمور السجن قال "عندما تنتهي النساء خارج السجن سنخرجكم"، وليلاً جاءت أوامر للمأمور بإخراجنا   للحرب، واشترطوا أن نكون تحت قيادة كمال الدين حسين (أحد الضباط الأحرار)، لإبادتنا في الحرب  حتى تخلو لهم البلد   بدلاً من الجبل، فرفضنا، واستمررنا في تدريباتنا من داخل السجن، حتى الإعلان عن الإنذار الروسي والاتفاق على خروج الصهاينة من قناة السويس، ودخول قوات دولية إلى سيناء.
الحالة النفسية
*
** الحالة النفسية التي وصلنا إليها والإهانات المعنوية كانت أكثر إيلامًا من التعذيب الجسدي، وكذلك قلة الطعام وندرته باستمرار، وأحيانًا كانوا يقومون بتكدير السجون كافة، ومنع الطعام عن المعتقلين.
* ي منها بنتان وولد.


* سمعنا عن قسوة المعاملة التي تلقاها بعض ضباط الجيش على أيدي رجال عبد الناصر، فما حقيقة ذلك؟
** الأمر حقيقي، فالكثير من ضباط الجيش من زملاء عبد الناصر كانوا يعذبون بالسجن الحربي، والأطواق تربط في رقابهم وتضيق حتى ينتفخ الدم في عروقهم، وأحدهم الضابط الذي كان وصيًّا على العرش، فعبد الناصر لم يكن لديه رحمة هو ورجاله مطلقًا، كما عذَّب كل أصحاب الفضل عليه، ومنهم (صالح أبو الخير) الذي كانت يستضيف اجتماعات الضباط الأحرار في بيته قبل الثورة، وعذبه في السجن الحربي.
فتلك شيمة عبد الناصر وأتباعه، وأذكر خلال زيارة المحافظ سعد زايد للسجن أنه وجد أحد المعتقلين يصرخ من التعذيب ويقول: "يا رب يا رب"، فقال بصوت مرتفع: "هاتوه، لو نزل ربك ده هاحبسه معاك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق